أعلان الهيدر

السبت، 8 يونيو 2019

الرئيسية العولمة الثقافية والتعليم

العولمة الثقافية والتعليم


العولمة الثقافية والتعليم 
  أ د . نبيل سعد خليل
الأستاذ بكلية التربية جامعة سوهاج - مصر
تشهد الإنسانية اليوم ظاهرة عالمية غربية تسمي العولمة The Globalization  تسعي لتوحد فكري ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي ، تحمل تحديا قويا لهوية الإنسان العربي خاصة بما يستهدف الدين والقيم والفضائل من خلال التركيز على الناحية الثقافية وتوظيف وسائل الاتصال ووسائل الإعلام والشبكة المعلوماتية Internet  والتقدم التكنولوجي بشكل عام لخدمة ذلك مما حول العالم لقرية صغيرة ، فلم يعد هناك أي حواجز جغرافية أو تاريخية أو سياسية أو ثقافية ، وأصبح العالم يخضع لتأثيرات معلوماتية وإعلامية واحدة تحمل قيم مادية وثقافية ، لا تتوافق مع قيمنا ومبادئنا ، منافية للتعاليم الدينية ، كما أن هناك توجه استهلاكي مفرط نحوها دون وعى أو تمييز لنوعية المادة المستهلكة وتأثيرها على تربية وثقافة الأفراد المستهدفة تحت تأثير إغراء لا يقاوم من التدفق الصوري والإعلاني المتضمن انبهارا يستفز ويستثير حواس ومدارك الأفراد ، بما يلغي عقولهم ، ويجعل الصورة التي تحطم الحاجز اللغوي هي مفتاح الثقافة الغربية الجديدة التي تستهدفه العولمة .
وتدعو العولمة إلى إيجاد ثقافة كونية أو عالمية تحوي منظومة من القيم والمعايير لفرضها على العالم أجمع ، وحيث أن البعد الاقتصادي للعولمة يؤثر بقوة في الجانب الثقافي  فإن من يملك مقاليد القوة الاقتصادية يستطيع أن يفرض ثقافته على الطرف الأضعف اقتصاديا ، وبالتالي يتخوف البعض من العولمة الاقتصادية التي تسعي إلى فرض عالمي لثقافة الغرب ، ومحو الثقافات الأخرى التي تتعارض معها ، وبخاصة ثقافة الدول الصغرى تحت وطأة الغزو الثقافي العالمي ، وغالبا ما تعجز هذه الدول عن وقاية نفسها من تأثيرات الثقافة الوافدة  أو قد تدفع الجامعات الثقافية والدينية إلى الاحتماء بخصوصيتها هربا من طوفان العولمة .
وثقافة العولمة ليست ثقافة مكتوبة فقط وإنما ثقافة الصور أيضا ، بحيث أصبحت الصورة تشكل عنصرا أساسيا فى اكتساب المعرفة بصرف النظر عن القيم الأخلاقية والدينية ، حيث يلعب الإعلام ووسائل الاتصالات الحديثة دورا رئيسا فى الغزو الثقافي مما يؤدي إلى هيمنة ثقافات  الغرب على ثقافات الشرق نظرا للتفوق العلمي لتقنيات الإعلام الغربي ووسائل اتصالاته .
وتشير العولمة الثقافية إلى الانفتاح غير المسبوق للثقافات  على بعضها البعض وبلوغ البشرية  مرحلة الحرية شبه الكاملة لانتقال الأفكار والاتجاهات والبيانات والمعلومات والأذواق وانتشارها فيما بين الثقافات وبأقل قدر من القيود التقليدية ، كما أنها تحمل في طياتها نوعا  أو آخر من الغزو الثقافي ، أي من قهر الثقافة الأقوى لثقافة أخري أضعف منها .
ولكي نكون أكثر واقعية يمكن القول بأن العولمة الثقافية تسعي إلى تسييد الثقافة الغربية بصفة عامة ، والثقافة الأمريكية بصفة خاصة ، وفرضها على غيرها من الثقافات ، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى هيمنة الثقافة الأمريكية وطمس الهوية الثقافية للشعوب الضعيفة ، وإزالة مقوماتها .
والهوية الثقافية لأي مجتمع من المجتمعات تعرف بأنها جميع السمات المميزة للأمة كاللغة والدين والتاريخ والعادات والتقاليد والقيم وأنماط العلاقات الاجتماعية وطرائق التفكير وسبل السلوك والتصرف وغيرها ، مما يحفظ للأمة شخصيتها الراسخة عبر عصور التاريخ ، وتميزها عن غيرها من الأمم ، وهى نمط معيش يتفاعل مع المتغيرات المحيطة به ، فيكتسب الجديد منها دون أن يذوب فيها ، لذا تختلف ثقافة العولمة اختلافا كبيرا عن الثقافات الوطنية  التي تتصف بالخصوصية  والقدرة الفائقة على ربط أصحابها  بخصائص وجدانية وفكرية مشتركة ، بينما تعجز ثقافة العولمة عن توليد الإحساس المشترك أو المصير المشترك أو امتلاك ذاكرة جماعية .
وتساعد القنوات الفضائية والإعلام الاليكتروني في تسويق الثقافة وترويجها على نطاق العالم . بالإضافة إلى زيادة التفاعل الثقافي بين الشعوب والمجتمعات ، وإلى تنامي ترابطها واتصالاتها . غر أننا نعلم أن تيار العولمة يتدفق بثقافة غربية غالبا ما تتعارض بوجه مع قيمنا ومبادئنا وحضاراتنا  ، وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية تميزها  الكبير فى الإنتاج الفني والتلفازي  وفي الصناعات الترفيهية وشركات الأقمار الصناعية في التأثير في الأفراد والمجتمعات .وهى تبذل قصارى جهدها في نشر مادية بحتة لا تعترف بالروحانيات ، ولا بالمشاعر الإنسانية ، ولا تفسح المجال للعلاقات الاجتماعية الدافئة القائمة على المحبة والوئام والتعاون والتكامل . وحيث إن ثقافة العولمة بطبيعتها ثقافة كونية  فهي لا تعبأ بالهوية ولا تأبه بالانتماء ولا تكترث بحقوق المواطنة ولا بتوفير فرص العمل ، ولا تضع فى اعتبارها وجود ثقافات متعددة .














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فنون

سينما

يتم التشغيل بواسطة Blogger.