أعلان الهيدر

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

الرئيسية وفي الأسفار ألف فوائد!!!

وفي الأسفار ألف فوائد!!!

               وفي الأسفار ألف فوائد!!!                                  
بقلم الأستاذ الدكتور / يوسف نوفل
أستاذ الأدب والنقد 
بكلية البنات - جامعة عين شمس
مصر
  لم أكن ـ في صغري ـ أدرك عمق المعنى الكامن في البيت الشعري الشهير :
سافرْ ؛ ففي الأسفار سبع فوائد  .. .. ..
بما في ذلك ـ كما تعلمت ـ فيما بعد ـ من الرمز العددي لعدد"سبع" ، ؛ فهو رمز لعدد ما : لسبعين أو سبعمائة أو سبعة من الثواني حتى الملايين.. إلخ  ، وذلك انطلاقا من تفسير البلاغيين والنحاة لعبارة : العدد لا مفهوم له ، وانطلقت دلالة العدد(7) من عدد أيام الأسبوع ، ليكون رمزا لوحدة قياس زمني لتلك المدة المخصوصة ، ثم تتسع لتدل على الزمن كله .
    المهم أنني أدركت ـ فيما بعد ـ أن " في الأسفار ملايين ، وربما بلايين الفوائد مما يستحيل حصره وعده .
   والمادة اللغوية (سفر) لا تقتصر على معنى : مفارقة الدار والأهل ، أو قطع المسافات  ، وإنما يتسع معناها لتعني الوضوح والإضاءة  ،والانكشاف ، والتجلي ، والإشراق ،في قولنا : سفرت الشمس ، وسفر الصبح . ..
   كنت ـ كسائر ـ أطفال الدنيا وصبيانها ـ أظن ـ بل أوقن ـ أن آخر الدنيا هو سور المنزل المجاور لبيتنا ، على نحو ما أشار طه حسين في (الأيام) عن بيت أسرته في مغاغة إلى أن السياج المجاور هو آخر الدنيا .
    ظلتْ هذه الفكرة راسخة في ذهني إلى أن بدأت أشارك العائلة في تنقلات قريبة خارج إطار البيت والحيّ ـ إلى امتداد شاطيء بورسعيد غربا في اتجاه دمياط ، دون أن نبلغها ؛ حيث الموقع القديم قدم الفراعنة المسمى " أشتوم الجميل " على شاطئيْ : البحر الأبيض المتوسط شمالا ، وبحيرة المنزلة جنوبا  ، لأفاجأ بأن النسمات والهواء وكل ما حولي مختلف كل الاختلاف عما يدور بين الحوائط الأربع ، أو بين جدران المنازل المتجاورة في حينا في الحيز الضيق بالنسبة لهذا الفضاء الرحب الفسيح ، ثم ازداد طموح الأسرة في مجال ( الرحلة والأسفار ) فكنا نذهب ـ عائلات متعددة ـ إلى جزيرة في بحيرة المنزلة بها مقام سيدي "عبد الله بن سلام" ، وبه سمّيتْ ، وهناك أحسست باتساع الدائرة ، والفائدة ، والاكتشاف . لقد اكتشفت أشياء عديدة ، ودروسا متنوعة ، مازالت تلحّ على خاطري كلما قرأت في كتب الرحلات ، أو المغامرات ، أو الاكتشافات لدى : فاسكو دي جاما ، وكولمبس ، وماجلان  وطارق بن زياد ، وموسى بن نصير .. إلخ ، لأنني فوجئت بكمّ هائل  من المعارف والخبرات والرؤى البصرية ما يعادل ـ من جانبي ـ إحساس المكتشفين والرحالة .
     كانت تلك المرحلة بمثابة الحالة التمهيدية والتحضيرية لتأسيس جامعة ، أو مراكز بحوث معرفية بدائية بسيطة ، تطورتْ ـ بشكل أكبر ـ حين بدأت أطلب من أخي الأكبر ـ رحمه الله ـ أن أصحبه في سفره إلى البلدة الكبرى المبهرة الساحرة" القاهرة " في الزمن الجميل  منذ أكثر من نصف قرن ، ووقتها أدركت أن ما استوعبه ناظري ، وفؤادي من أسفار المرحلة البكر الماضية ما هو إلا النزر اليسير ، أو القطرة في البحر اللجيّ ، لقد هالني ما رأيته ،لأول مرة ، في القاهرة ، ونظرا لضخامة حجمه ، وأثره ، وقيمته لم تستطع ذاكرتي أن تنضّد تلك المكتسبات وقتها تنضيدا معمقا ، وقد زان ذلك كله ـ كما ذكرت في حديث سابق ـ لقائي الأول بسور الأزبكية الساحر الآسر العامر ، وياله من عالم لا مثيل له ـ آنذاك ـ ثم فرض نوع الدراسة الذي اختارته لي  الأسرة أن أتهيأ لا للسفر المتواصل ، فحسب ، بل للإقامة شبه المتصلة خارج خارج أسوار مدينتي بورسعيد ، وخارج نطاق الحيّ الذي أقطن فيه ، بل خارج حواشي مدينتي إلى دمياط ؛ حيث ظللت أسافر إليها ومنها على مدار خمس سنوات قبل أن أنتقل إلى معهد القاهرة الديني النموذجي ؛ لأعيد إحياء ، وأنمّي ، وأطوّر زياراتي المتناثرة العجلى إلى القاهرة من قبل بصحبة أخي الأكبر، يرحمه الله ، وللحديث عن القاهرة منذ المبتدأ حتى الآن وقفة خاصة تغطي مساحة زمنية أكثر من نصف قرن قبل أن أتخذها ،أنا وأسرتي ، وأولادي وأحفادي دار مقامة ، وذلك إذا سمح الأجل .
     وكانت تلك مرحلة ثانية أكثر نضجا وتطورا فيما أسمّـيه  أكاديمية السفر ، وجامعة الثقافة  الترحالية ؛ لتبدأ مرحلة ثالثة ، وأخيرة هي الأجدر بالتأمل والنظر والاستنتاج والتعلم ، حيث بدأ الالتقاء بالعالم الخارجي ، خارج مصر بأسرها ، وذلك في مستويين :
أحدهما على مستوى العالم العربي ، والثاني : على مستوى العالم الأمريكي والأوربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فنون

سينما

يتم التشغيل بواسطة Blogger.