وفي الأسفار ألف فوائد!!!
بقلم الأستاذ الدكتور / يوسف نوفل
بقلم الأستاذ الدكتور / يوسف نوفل
أستاذ الأدب والنقد
بكلية البنات - جامعة عين شمس
مصر
لم أكن ـ في صغري ـ أدرك عمق المعنى الكامن في
البيت الشعري الشهير :
سافرْ
؛ ففي الأسفار سبع فوائد .. .. ..
بما
في ذلك ـ كما تعلمت ـ فيما بعد ـ من الرمز العددي لعدد"سبع" ، ؛ فهو رمز
لعدد ما : لسبعين أو سبعمائة أو سبعة من الثواني حتى الملايين.. إلخ ، وذلك انطلاقا من تفسير البلاغيين والنحاة
لعبارة : العدد لا مفهوم له ، وانطلقت دلالة العدد(7) من عدد أيام الأسبوع ، ليكون
رمزا لوحدة قياس زمني لتلك المدة المخصوصة ، ثم تتسع لتدل على الزمن كله .
المهم أنني أدركت ـ فيما بعد ـ أن " في
الأسفار ملايين ، وربما بلايين الفوائد مما يستحيل حصره وعده .
والمادة اللغوية (سفر) لا تقتصر على معنى :
مفارقة الدار والأهل ، أو قطع المسافات ،
وإنما يتسع معناها لتعني الوضوح والإضاءة
،والانكشاف ، والتجلي ، والإشراق ،في قولنا : سفرت الشمس ، وسفر الصبح …. ..
كنت ـ كسائر ـ أطفال الدنيا وصبيانها ـ أظن ـ
بل أوقن ـ أن آخر الدنيا هو سور المنزل المجاور لبيتنا ، على نحو ما أشار طه حسين
في (الأيام) عن بيت أسرته في مغاغة إلى أن السياج المجاور هو آخر الدنيا .
ظلتْ هذه الفكرة راسخة في ذهني إلى أن بدأت
أشارك العائلة في تنقلات قريبة خارج إطار البيت والحيّ ـ إلى امتداد شاطيء بورسعيد
غربا في اتجاه دمياط ، دون أن نبلغها ؛ حيث الموقع القديم قدم الفراعنة المسمى
" أشتوم الجميل " على شاطئيْ : البحر الأبيض المتوسط شمالا ، وبحيرة
المنزلة جنوبا ، لأفاجأ بأن النسمات
والهواء وكل ما حولي مختلف كل الاختلاف عما يدور بين الحوائط الأربع ، أو بين
جدران المنازل المتجاورة في حينا في الحيز الضيق بالنسبة لهذا الفضاء الرحب الفسيح
، ثم ازداد طموح الأسرة في مجال ( الرحلة والأسفار ) فكنا نذهب ـ عائلات متعددة ـ
إلى جزيرة في بحيرة المنزلة بها مقام سيدي "عبد الله بن سلام" ، وبه
سمّيتْ ، وهناك أحسست باتساع الدائرة ، والفائدة ، والاكتشاف . لقد اكتشفت أشياء
عديدة ، ودروسا متنوعة ، مازالت تلحّ على خاطري كلما قرأت في كتب الرحلات ، أو
المغامرات ، أو الاكتشافات لدى : فاسكو دي جاما ، وكولمبس ، وماجلان وطارق بن زياد ، وموسى بن نصير .. إلخ ، لأنني
فوجئت بكمّ هائل من المعارف والخبرات والرؤى
البصرية ما يعادل ـ من جانبي ـ إحساس المكتشفين والرحالة .
كانت تلك المرحلة بمثابة الحالة التمهيدية
والتحضيرية لتأسيس جامعة ، أو مراكز بحوث معرفية بدائية بسيطة ، تطورتْ ـ بشكل
أكبر ـ حين بدأت أطلب من أخي الأكبر ـ رحمه الله ـ أن أصحبه في سفره إلى البلدة
الكبرى المبهرة الساحرة" القاهرة " في الزمن الجميل منذ أكثر من نصف قرن ، ووقتها أدركت أن ما
استوعبه ناظري ، وفؤادي من أسفار المرحلة البكر الماضية ما هو إلا النزر اليسير ،
أو القطرة في البحر اللجيّ ، لقد هالني ما رأيته ،لأول مرة ، في القاهرة ، ونظرا
لضخامة حجمه ، وأثره ، وقيمته لم تستطع ذاكرتي أن تنضّد تلك المكتسبات وقتها تنضيدا
معمقا ، وقد زان ذلك كله ـ كما ذكرت في حديث سابق ـ لقائي الأول بسور الأزبكية
الساحر الآسر العامر ، وياله من عالم لا مثيل له ـ آنذاك ـ ثم فرض نوع الدراسة
الذي اختارته لي الأسرة أن أتهيأ لا للسفر
المتواصل ، فحسب ، بل للإقامة شبه المتصلة خارج خارج أسوار مدينتي بورسعيد ، وخارج
نطاق الحيّ الذي أقطن فيه ، بل خارج حواشي مدينتي … إلى دمياط ؛ حيث
ظللت أسافر إليها ومنها على مدار خمس سنوات قبل أن أنتقل إلى معهد القاهرة الديني
النموذجي ؛ لأعيد إحياء ، وأنمّي ، وأطوّر زياراتي المتناثرة العجلى إلى القاهرة
من قبل بصحبة أخي الأكبر، يرحمه الله ، وللحديث عن القاهرة منذ المبتدأ حتى الآن
وقفة خاصة تغطي مساحة زمنية أكثر من نصف قرن قبل أن أتخذها ،أنا وأسرتي ، وأولادي
وأحفادي دار مقامة ، وذلك إذا سمح الأجل .
وكانت تلك مرحلة ثانية أكثر نضجا وتطورا
فيما أسمّـيه أكاديمية السفر ، وجامعة
الثقافة الترحالية ؛ لتبدأ مرحلة ثالثة ،
وأخيرة هي الأجدر بالتأمل والنظر والاستنتاج والتعلم ، حيث بدأ الالتقاء بالعالم
الخارجي ، خارج مصر بأسرها ، وذلك في مستويين :
أحدهما
على مستوى العالم العربي ، والثاني : على مستوى العالم الأمريكي والأوربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق