صحافة بلا حدود
بقلم دكتور : محمد عبيد
من المؤكد للجميع القاصي والداني أن الصحافة هي المعبرة
عن لسان الشعوب ، والكاشفة لكل نقاط الفساد والسلبية ، و النابضة بكل القضايا
والمشكلات ، وهى التي تقترح الحلول التي يمكن أن يأخذ بها صناع القرار ، وهى التي
تجابه كل الأخطار شأنها شأن كل مدافع وطني عن مصالح الوطن والمواطن ، مما حدا
بالبعض إلى إطلاق صفة السلطة الرابعة " عليها بعد السلطات التشريعية
والتنفيذية والقضائية .
ولكن ما استوقفني هو عبارة بدأت تتردد بتلقائية بين جموع
المثقفين والكتاب وبعض الصحفيين ، وكأنها أصبحت من المسلمات غير قابلة للنقاش أو
الحوار أو المدارسة ، وهى أن الصحافة يجب أن تكون بلا حدود أو حواجز أو خطوط حمراء . ولنا مع هذه العبارة
الواسعة الفضفاضة التي تنتهك بها الحرمات باسم الصحافة التي بلا حدود .
فالأمور الشخصية التي لا تتعارض مع المصالح العامة ، والأخبار التي تمس مصالح الوطن ، وتهدد
الأمن الاجتماعي والقومي ، والشائعات والصفحات الكثيرة التي تفتقر إلى أبسط قواعد
الصحافة وهى الاستناد إلى المصدر الصادق الموثق ، والخلط بين كشف الحقيقة وإظهارها
للرأي العام والتشهير والتلاسن والوصول إلى حد القذف ، أليست كل هذه الأمور خطوطا
أو حدودا يجب أن تتوقف عندها الصحافة ولا تقربها؟!!! .
ويربط البعض بين هذه العبارة المطاطة والأقلام الصفراء
والصحف الصفراء والابتزاز والتشهير والتلميع والدكاكين الصحفية أو صحافة الإثارة
والاعتدال ، وإن كنت لا أوافق على تصنيف الألوان في الشارع الصحفي ، إن هذا
التصنيف يحد من حركة الصحافة ، وكم من الجرائم تتم تحت ستار حرية الصحافة ،
والبكاء الزائف على الديمقراطية الغائبة .
إن مهمة الصحافة هي المكاشفة والوضوح ، وكشف الأمور
وتوضيحها بكل مصداقية وشفافية ، إن مهمة الصحافة أن تكون الدرع الأمين لهذا الوطن
، وألا تتستر على أي نوع من الفساد ومن أية جهة ؛ لأنها العين الساهرة على أمن
الوطن شأن غيرها من الأجهزة المعنية بحماية الداخل والخارج ، إن الصحافة يجب أن
تحافظ على الأمن والسلام الاجتماعي .
إن ما يجب أن يتمسك الكاتب والصحفي ورب القلم هو الضمير
ولا شئ غيره ، فالكثيرون يتحدثون عن ميثاق العمل الصحفي ، وميثاق العمل الصحفي هو
ليس خطا فاصلا يجب ألا نحيد عنه ، وإنما ميثاق العمل الصحفي هو الحب والغيرة على هذا
الوطن ، والوقوف ضد الفساد والمفسدين ، والالتحام بقضايا الشعب والجماهير ، وتوضيح
الحقائق من غير تهويل ولا تقليل ، والاتسام بالمصداقية وتقبل الرأي والرأي الآخر
من أجل الوصول إلى الحقيقة ، وعرضها على الرأي العام ، والشفافية والوضوح والنزاهة
والابتعاد عن التهليل والتطبيل والتقديس ، والوقوف طرفا محايدا بين جميع الأطراف .
إن الصحافة يجب ألا تنصب نفسها خصما وحكما ، وهى ليست
مخولة بذلك ، ففي كل دولة جهات مسئولة عن ذلك مسئولية تامة ، إنما هي اللسان
والضمير الذي يترفع عن الصغائر ، ويراعي حرمات الناس ، ويحفظ مقدرات الشعوب
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . أقولها: إن قوة الصحافة من قوة الشعوب ، ولكن
في ذات ليست هناك صحافة بلا حدود أو بلا حواجز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق